الظلام يلف المكان بعد رحيل القمر .. العالم كله يغفو
عيناه تأبى النوم .. ساهره تحملق فى اللا شىء .. قلبه يرتجف
وكأنه عصفور مُبتل فى ليله من ليالى الشتاء
يشعر كمن دنا أجله وينتظر ملك الموت لينهى قصته مع الحياه
أذناه تلتقان أصوات متشابكه .. لا معنى واضح لها .. أفكاره تتصارع
أنفه تشم رائحة خطر قادم مجهول الهويه ..
شمعه وحيده تجالسه يخدش ضوءها حياء الظلام الحالك
مضطرب .. ترك فراشه متسللا للخارج دون شعور وبلا وعى
يبحث عن هواءا نقيا .. فقد ضاق صدره وانقبض .. مشتت العقل
لا يتوقف شريط ذكرياته عن الاسترسال واعادة الأحداث وكأنه يعيشها
بالتو واللحظه .. هدأت جميع المخلوقات من حوله ...
ولا يرافقه فى وحدته سوى السكون الرهيب . لا جليس ولا ونيس ..
يتذكر فجأه ليفيق من غفوته وسباته رغم يقظته هنا كانت رفيقته
ورفيقة عمره وأحلامه .. مازال طيفها يحتويه كل جزء بالمكان
حتى فى عبير نسمات الهواء الذى يتنفسه بنهم شديد كمفطر بعد صيام
منعه كبرياؤه من الصُراخ والنواح من هول اّلامه حيث لم يعد يشعر بالحياه
وكأنه لا وجود له بين البشر رغم يقينه أنه حى يتنفس مثل كل كائن حى ..
جرت دموع عينيه كفيضانات تتدفق فى صمت فوق وجنتيه المتعبه والمُجهده ..
تحركت سيول اّلامه .. استمر الأنين المؤلم الرتيب ..
وكأنه يُعلن نهايه بلا نهايه ..
منذ سنوات ليست ببعيده كان يعيش وينبض قلبه ويتنفس عشقا وسعاده
يتنعم فوق عرش عش الزوجيه الهادىء
الذى يشبه روضه تملؤها الزهور والفراشات التى تسُر القلوب لروعتها
تغار منه الطيور التى تحنو على صغارها وتشق فضاء السماء الواسع
بحثا لهم عن طعام .. وتسعى بكل اراده للاعتناء بهم وتعليمهم الطير والحياه ..
ترك لاقدامه العنان والحريه الكامله دون شروط فى السير نحو ما ترغبه نفسه
التائهه فى ملكوت الله .. حتى توقفت أقدامه عند المكان الذى نودع فيه
أحبابنا السابقون والذى يوما ما سنكون بهم باذن الله لاحقون ..
ارتعشت كل أطرافه .. مد يده يتحسس قبرها
يأخذ من ترابه وينثُره فوق رأسه
يمزجه بدموعه التى تجرى كشلال شديد .. يحرك شفتيه ليقرأ الفاتحه
لروحها الطاهره .. وأفاض لها بخالص الدعوات بأن يلقاها فى جنات النعيم
فانها كانت نعم الزوجه ونعم الانسانه التى تعرف ربها
وتقوم بدورها على أكمل وجه
توقف الزمن فاندمج الماضى بالحاضر بالمستقبل
وكأنه يُعلن عن ميلاد الألم
والمُعاناه التى تكاد تعصره عصرا ..
يعود من حيث جاء .. لبيته الذى عاش به أجمل أيام حياته بجوارها
وكأنه يوهم ويُمنى نفسه بوجودها الان فوق فراشه .. تنتظره كالعاده
بنظرات ساحره وبابتسامه ينبض لها قلبه نبضات كتغريد البلابل ..
يشعر باهتزاز جسده .. ويد تحركه بلطف وموده .. وصوت دافىء يناديه
استيقظ يا زوجى الحبيب انها السابعه ...
ينتفض واقفا كمن لدغه ثعبان من النوع السام
ليتراقص وكأنه يتلوى من اللدغه !
ويصفق بكلتا يديه كطفل صغير فرح بهدايا والده صباح العيد ..
يضمها اليها بشوق ولهفه متنهدا تنهيده طويله معبره عن مدى عشقه لها
مؤكدا لها أنه لا ولن يغضبها ذات يوم وانه سيكون لها دوما نعم الزوج
ونعم الحبيب وانه لن يتوانى يوما عن اسعادها طالما بقى على قيد الحياه .
ولا زال العمر يمُر بنا ليمنحنا الفرصه والارداه
لتحقيق كل ما نرغبه قبل فوات الأوان